لماذا أشارك أفكاري؟؟
أجد نفسي بين الحين والآخر أتساءل: لماذا أشارك الآخرين أفكاري؟ وهل الآخرون بهذا الاحتياج الكبير لسماع أفكاري أو قراءتها؟ ومالجديد الذي تحمله فكرتي عما قاله وسيقوله الآخرون من قبلي ومن بعدي؟ ولطالما يتصدر لي رأي الشاعر زهير عند هذه الخطرات بيني وبين نفسي إذ يقول:
ما أرانَا نَقُولُ إلا مُعَارا
أو مُعَادًا مِنْ لَفْظِنَا مكرُورا
هذه الحقيقة الحتمية التي لربما يتوصل إليها صنّاع المحتوى، ولكنها وإن تبدو كذلك إلا أنها فرصة أن نساهم في تقديم الجديد ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ودائماً ما أقول أن أسئلة لماذا تكون إلهامية إن قادتنا إلى التعمق ومعرفة جوهر الأشياء حتى نكون قادرين على تفسير المعنى الذي نعيش من أجله، لا أن تكون من نمط الأسئلة التعجيزية التي تقتل فينا روح المبادرة والإقدام.
كما أن الأفكار والمعارف هي عبارة عن خبرات تراكمية يلقي بها الأول للآخر، ويضيف الآخر بما ينفع الذي يليه، وهكذا تتشكل وتُخلق أطوارٌ جديدة للمعرفة تتناسب مع الزمان والمكان بكل ما فيها من مستجدات وظروف قد تغيرت عن الماضي.
ثانياً: أنت تشارك المحتوى مرئياً أو نصياً في مختلف قنوات التواصل الاجتماعي وتصبغ عليها روحك التي لا يشبهها أحد، إذا أنك متفرد في تجاربك وقصة حياتك وأسلوب تعبيرك وهذا كله يسهم بوعي منك أو بغير وعي في منتجك الفكري ومعالجتك للقضايا التي تناقشها، والجمهور يتلقى الفكرة لذات الفكرة ولكنه يجد لنفسه مبرراً أن يسمعها ثانية وثالثة في كل مرة تقدم من شخص آخر لما وجد من تميز في طريقة العرض أو أسلوب السرد.
ثالثاً: إن أفضل طريقة لترسيخ المعلومات التي نتلقاها من مصادر المعرفة المتنوعة أن نعلمها ونشاركها الآخرين، وهذا جهد تنطوي فيه عمليات عقلية كالتفكير الناقد والإبداعي من أجل إعادة معالجة الفكرة وتقديمها للجمهور بما يناسب حالهم ومنصة العرض، وهكذا تترسخ الفكرة في ذهنك وتتمكن منها بشكل أكبر.
مشاركة الأفكار تنم عن شخص يسعى إلى التجدد الدائم والتزود بكل ما يثريه فكراً ويقومه سلوكاً، وهذه الغاية التي لابد أن ينشدها صناع المحتوى ابتداء، قبل أن يكون التفكير من أجل العوائد المادية أو المعنوية، لأن بتحققها قد يزهد الشخص عن الاستزادة والاطلاع فيما هو جديد وهذا أمرٌ مشاهد وظاهرٌ للعيان.
بالإضافة إلى أهمية مشاركة الأفكار على الصعيد الشخصي تتجلى لنا أهميتها على الصعيد المجتمعي ومن ذلك إثراء المحتوى العربي والمساهمة في نشره ومساعدة الباحثين للوصول إلى مراجع ودراسات علمية، ولقاءات يستضاف لها خبراء متخصصين في شتى المجالات، وكم من فرصة هيأها صنّاع المحتوى للخبراء فلاقت أرضاً خصبة وأنبتت بفضلهم غرساً مباركاً.
باختصار: ابدأ بما هو متاح، وشارك ما تستطيع، والقليل عندك كثيرٌ عند غيرك، واستنهض همتك أن تكون مفتاحاً للخير بأفكارك التي تنثرها، وادخر من أعمالك كلمات وأفكار يشع ضياها بعد موتك، فكم من فكرة ألهبت المشاعر، وأحيت الضمائر، وجبرت الخواطر [إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ]